أفكار بحثية
تردنا بين الحين والآخر طلبات واستشارات عن مواضيع للبحث العلمي. وبما أن القائمين على موقع الدكتور عبدالرحمن الحَجِّي (رحمه الله) ليسوا من المتخصصين بالتاريخ الإسلامي، فانه يصعب التجاوب مع مثل هذه الطلبات. ولكن عملاً باقتراح وردنا مؤخراً فإننا نضع بين أيديكم هذه الصفحة التي نجمع فيها أفكار للبحث العلمي، كان قد دعا الدكتور عبدالرحمن الحَجِّي (رحمه الله) الباحثين إلى العمل عليها لأهميتها في مجال التاريخ الإسلامي والأندلسي. هذه الأفكار متناثرة في أعماله المكتوبة والمرئية والمسموعة. نسعى لتطوير هذه الصفحة باستمرار كلما وردت إلينا إشارة جديدة عن أفكار بحثية أخرى. كما نرحب بتواصلكم معنا للإشارة علينا بأفكار مشابهة تسنى لكم الإطلاع عليها في أعمال الدكتور الحَجِّي (رحمه الله).
العمل من الداخل أم من الخارج؟
حين بدت علامات سقوط الأندلس جدت ظاهرة هجرة عشرات العلماء، بعضهم قاد جهاداً مشهوداً من الخارج، قياماً بواجبهم نحو إخوتهم الذين بقوا (أكثر من ٦ ملايين، معظمهم في غرناطة)، لكن قيادة العمل من الخارج (وربما دون تنسيق) جعله قليل الأثر، بعد أن تركوا ما هو أوجب—في داخل الأندلس ومع أهلها. يثير هذا الأمر التساؤل عن جدوى “العمل من الخارج”. و من هنا فقد دعا الدكتور عبدالرحمن الحجي (رحمه الله) في مقال الباحثين للمقارنة بين نموذجين من دور العلماء في الأندلس أيام الضعف فيه:
-العمل من “الداخل” في عهد الطوائف مع حكامها وأهلها لبنائهم وردهم إلى الحق والارتقاء بهم
– العمل من “الخارج” حين لاحت علامات السقوط الأخير
المصدر: مقال للدكتور عبدالرحمن الحجي (رحمه الله) بعنوان “العلماء والتجربة الأندلسية”، مجلة الخيرية الكويتية، مايو 1990م. اضغط هنا للاطلاع على المقال.
كما تم نشر هذه الفكرة في موقع اكس. اضغط هنا للاطلاع على هذه التدوينة.
هل هناك من أسلم من الإسبان خلال فترة محاكم التفتيش؟
لقد أقبل أهل البلاد في الأندلس على الإسلام مع وصول الفاتحين الأوائل بعد أن رأوه فيهم سلوكاً قبل أن يسمعوه من أفواههم منطوقاً. انتشر الإسلام واستقر في ربوع الأندلس الشاسعة خلال ست سنوات فقط وكان ذلك مثار استغراب العديد من المستشرقين، حتى أن أحدهم وصف أعمال الفتح بأنها كانت “نزهة عسكرية”. والحق أن هذا أمر طبيعي، فمن يرى الإسلام على حقيقته لا يملك إلا أن يسارع في الإقبال عليه. وبالفعل، ذكر العديد من المؤرخين، بعضهم إسبان، أن كثيراً من أهل البلاد كانوا يفتحون أبوابهم للمسلمين.
هكذا كان الحال إذن والإسلام في أوج قوته، ولكن كيف كان إقبال الناس عليه في أواخر أيام الوجود الإسلامي في إيبيريا، وماتلاه من محاكم التفتيش التي كانت تحصي على الناس أنفاسها؟ لقد تساءل الدكتور عبدالرحمن الحَجِّي (رحمه الله) عما إذا كان هناك من يدخل الإسلام من الإسبان أيام محاكم التفتيش. وبالفعل وجد الكثير من الأمثله، وهو ما يدل على القوة الربانية التي أودعها الله في دينه حتى حين يبدو هذا الدين ضعيفاً. وكان الدكتور الحَجِّي (رحمه الله) يرى في هذه الظاهرة الفريدة أمراً يستحق أن يقف عنده الباحثون طويلاً. هذه بعض كلماته (رحمه الله) نُشِرَت في وقت سابق في موقع اكس في هذه التدوينة:
منذ وقت وأنا أسأل نفسي: هل أسلم أحد في ظروف #محاكم_التفتيش؟ ثم وَجَدْتُ ما ذكره الشِّهَابُ الحَجَرِي (تونس 1051هـ) في «ناصر الدين على القوم الكافرين»، بعضَ مَن أسلموا أيامَ المحاكم، أمرٌ مدهش يستحق التفكّر، منهم عبدالله التُرْجُمان، مؤلف كتاب «تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب»
العلماء الشهداء، أو الشهداء العلماء
إنما العلم العمل! وهكذا كان العلماء الأصلاء في كل مكان وزمان في أمة الإسلام. تَوقَّف الدكتور عبدالرحمن علي الحَجِّي (رحمه الله) كثيراً عند أعلام العلماء المسلمين، لاسيما في الأندلس. أُعْجِبَ بهم وكَتَبَ لهم وعنهم، وأهدى بأرق الكلمات الكثيرَ من أعماله العلمية إلى روحهم. أنظر، كمثال، أهداء كتابي “الكتب والمكتبات في الأندلس“، و”دراسة الظاهرة العلمية في المجتمع الأندلسي“.
ومن شواهد صدق هؤلاء العلماء في دعوتهم، أنهم كانوا يتقدمون الصفوف كلما بدا ملمحاً من ملامح الضعف في الأمة. مثلاً: أبوالوليد الباجي ودوره المشهود في استنهاض الهمم أيام ملوك الطوائف. كان الدكتور الحَجِّي (رحمه الله) دائماً ما يشيد بدور العلماء في إنقاذ الأندلس، حتى كان يقول أن العلماء هم قادة الأمة الحقيقيون. أنظروا في هذا الرابط هذا التسجيل للدكتور الحَجّي (رحمه الله) وهو يستحضر هذه الفكرة (لعله التسجيل الأخير له قبل وفاته).
كما استشهد الكثير من العلماء في ساحات المعارك وهم يتقدمون الصفوف فيها. وقد دعا الدكتور الحَجِّي (رحمه الله) إلى دراسة هذه الظاهرة في الأندلس واحصاء من استشهد من العلماء في المعارك (العلماء الشهداء).
إليكم مقطع من حديث الدكتور الحَجِّي (رحمه الله) عن هذه الفكرة، في نهاية التسجيل الموجود على هذا الرابط.
كيف حافظ المسلمون على دينهم خلال خمسة قرون من محاكم التقتيش الغاشمة؟
ظل الإسلام في الأندلس ممارسةً سرية لخمسة قرون (الفترة المؤشرة بالأحمر في هذا التخطيط): منذ سقوط الأندلس وحتى إقرار حرية الأديان. دعوة أطلقها الدكتور عبدالرحمن الحَجِّي (رحمه الله) لبحث هذا النموذج الإنساني الفريد؛ كيف حافظوا على إسلامهم لقرون وهم تحت وطأة محاكم التفتيش الغاشمة؟!