التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة

يُعَدُّ هذا الكتاب من أوائل مؤلفات الدكتور عبدالرحمن الحَجِّي (رحمه الله)، صَدَرَت طبعتُه الأولى في سبعينيات القرن الميلادي الماضي وطُبِعَ عشرات المَرَّات على مدى نصف قرن، ليكون كتاباً رائداً في مجاله، مقرراً في العديد من الجامعات ومصدراً لا غنى عنه لأي مهتم بشأن هذا المقطع المهم من تاريخ المسلمين. يقع الكتاب في مجلد واحد في حوالي 700 صفحة، ويُطبَع حالياً لدى دار القلم السورية. غَطَّى هذا الكتاب أحداث التاريخَ الأندلسي من الفتح حتى السقوط معتمداً على أدق الروايات التاريخية، وأزاح من طريقه الشبهات والروايات المغلوطة بل و”أتى عليها من القواعد” كما ورد بعبارة المؤلِّف.

هذا الكتاب هو حصيلة عمل دؤوب لسنوات طويلة ليل نهار قضاها المؤلف، رفقة زوجته منال عبداللطيف أم بلال (رحمهما الله)، كما ورد في أكثر من تسجيل للدكتور الحَجِّي وهو يتحدث عن تاريخ نشأة هذا الكتاب. وصفه كثير من المختصين بأنه أفضل من جمع كل تاريخ الأندلس بين دفتي مجلد واحد. 

أردنا أن نَصِفَ الكتاب أكثر لكننا لم نجد أبلغ من كلمات المؤلِّف نفسه في الحديث عن ذلك في مقدمة كتابه، فاخترنا أن نقتبس لكم منها بدل كلماتنا المتواضعة التي استشعرنا وهنها جنب ما قرأنا في مقدمة هذا الكتاب الفاخر. تجدون اقتباسات من مقدمة الكتاب أدناه، كما نضع بين أيديكم ملف بي دي اف فيه الإهداء بكلماته الراقية، ثم فهارس ومحتويات الكتاب. 

كما يمكنكم الاطلاع على صفحة الكتاب في موقع Goodreads وتفاعل القراء معه:

https://www.goodreads.com/book/show/6660813

طبعة الكتاب 2022م - ردمك 9789933475666

فقرات مُختارة من مقدمة الكتاب

* هذا الكتابُ الذي شَقّ ويَشُقُّ طريقَه في جوٍّ صعبٍ مَلِيءٍ بالشُّقُوق والفِجَاج، تَتَحَلَّقُ مِنْ حوله بعضُ الواحاتِ والمُرُوجِ هنا وهناك. اعتَبَرَه بعضُهم كتاباً تراثياً لمكانته وقوة عارضته وجمال عَرْضه ودِقَّة معلوماته، وثِقَل حجمه وجِدَّة تناوله وعَبَق عِطْره. إنّه الكتابُ التاريخيُّ المطلوب، والجامعي المرغوب، مِنْ حيث تلبية الحاجةِ والضرورةِ العلميةِ اللازمة،  صالحٌ أنْ يكونَ مقرراً جامعياً كافياً شافياً.

* إن كان غُمِطَ الكثيرُ مِنْ حَقِّه لأي سبب، سواءٌ بإهماله أو إبْعاده أو النيل منه أو التجهيل له، استباقاً لمَنْ يَقَعُ في يده إلى الإخفاء عن الطلبة والدارسين، في اعتماد الكثير منهم عليه والنقل منه، وَصَلَ إلى عدم ذكرههم له ولو مجرد اسمه، خوفاً مِنْ مواجهةِ معلوماتِه، تَرْمِي بعيداً كُلَّ الشُّبُهاتِ، وتؤسسُ وُجْهَةً علميةً جديدةً. عِلْماً أنَّ الشُّبُهاتِ التي تُذْكَر لا تتماشى ذاتياً مع نفسها، بل تتنافرُ مع سَيْر الأحداثِ المُتَوَاكِبَةِ المتأبيةِ بطبيعتِها، رفضاً ولفظاً ونفياً، لتتكشفَ الحقائقُ وتتقدم وتتثبت، بعواملها العلمية المرجوة، تسير منسجمةً معها.

* يَسِيرُ مُتَجَهِّزاً قوياً قائماً فارعاً بارعاً. أُعْجِبَ به كُلُّ منصفٍ، حَازَ عندَه قَصَبَ السَّبْقِ، حيث دُهِشَ لحقائقه وروعة أُسلوبه وعَرْضِهِ، بدرجةٍ ما ظَنَّ أنْ يكونَ كتابٌ بمثل هذا المستوى. ظنَّ مهتمون كثيرون، سيّما  مِنْ أساتذة الجامعات، أنه رسالةُ الدكتوراه، ليس كذلك بحال، لا من قريب ولا من بعيد. إنَّه عَمَلٌ عِلْمِيٌّ آخَرُ جديد، انتفَع بكُلِّ الخِبْرة والمعرفة والممارسة المُقامة والمدونة والمتضمِنَة رسالةَ الدكتوراه، موضوعها:”العَلاقاتُ الدبلوماسيةُ الأندلسيةُ مع أوربا الغربية خلالَ المُدَّةِ الأموية“. أُقيِمَتْ لهذا الكتاب، بعد ضرورة متراخية، عِدَّةُ نَدَواتٍ إذاعية، ربما كذلك تلفزيونية، عَرَضَتْهُ بإعجابٍ ودَهْشَةٍ، ظُنَّ أنَّ مُؤَلِّفَهُ متقدم في العمر جداً، (نسأل الله طولَ العمر وحسنَ العمل)، يُمْكِنُه إنْجازُ هذا الكتاب.

* أستغرقَ هذا الكتابُ مِنَ العملِ الدَّؤُبِ سِتَ سنواتٍ، ليلٌ ساهِرٌ ونهارٌ جَاهِرٌ، ذَخِيرةً مُدَّخَرة عند الله سبحانه وتعالى، تقودُ للتَحَرّي والدقةِ الأمينةِ، لا تَدَّخِر وُسْعاً مِنْ جُهْدٍ أو بَذْلٍ أو تَضْحيةٍ، أحْسَبُ أنه بذلك كان له قَصَبُ السَّبْقِ في الاسقلالية، جَعَلَتْه يَسْمُو بأهليةٍ إلى تقديمِ تاريخِنا بحقائِقِهِ المُدَقَّقَةِ المُوَثَّقَةِ، بأنفاسِهِ العَطِرَةِ وحقيقتِهِ الخَيِّرةِ وأحداثِهِ النَّظِرةِ، دون أهمالٍ لحالاتٍ مُدَمِّرة، بقراءةٍ مُنْصِفَةٍ راصدةٍ راشدة، تَسْبِرُ أغوارَه وتمتحن أخبارَه وتُغَرْبِلُ أَوْضارَه وتَزِنُ آثارَه، ظاهرةً وباطِنةً باعتناءٍ مُتَأنٍ، باعتبارِ بنائِهِ الإسلامي الغائِرِ، يَجْعَلُهُ يقومُ مِنْ كَبَوَاتٍ تكونُ بدونه قاتلةً مُمِيتةً، مما يجعله يَتَعَافَى ويَعُودُ لِمَا كان عليه بأي حال ومقدار. إنه تاريخُ الأمةِ المسلمةِ التي أقامَها وكَوَّنَها وصَنَعَها الإسلامُ، يَشِعُّ ويَبُثُّ خَيْرَهُ ويَرْوِيها بروحيتِهِ مُؤَهَّلَةً مُزَيَّنَةً مُتَّشِحَةَ بتشريعاتِه، لولاه ما قامَ ولا استدامَ ولا استقامَ. مُتَدَفِّقَاً بشكلِ بديهيٍّ طَبيعيٍّ لا إرادي، دون تنويهٍ أو كلامٍ أو إعلامٍ.

والمِسْكُ ما قد شَفَّ عنهُ ذاتُهُ

لا ما غَدَا يَنْعَتُهُ بائِعُهُ

* لم يكن دافعُ تأليفِ هذا الكتابِ رغبةً بترقيةٍ علميةٍ، أو تَحْلِيةٍ باسمٍ أو جَمْعٍ لمالٍ وثروةٍ أو نَيْلِ سُمْعةٍ، بل دافعُ العلماءِ المسلمين، إنه لوجه الله الكريم. إنه لله خالصاً، شَأنُ جميعِ الكتبِ والأعمالِ العلميةِ، إنْ شاء الله تعالى. أَتَعْجَبُ مِنْ اعتباري كُلَّ كتابٍ جديدٍ مولوداً، أَعْمَلُ له عقيقةً أو اثنتين فَرِحاً به!!!

* إنّه جهادُ الحقيقةِ والكلمةِ والواقعةِ والحدثِ، مَصُوناً مُحَقَّقَاً متأنِّقاً، قِراءَتُه وتناولُه في جوه الماثل الطبيعي، يمثلُ الوُجْهَةَ الإسلاميةَ الأمينةَ والبحثيةَ الرصينةَ. حيث أُلِّفَ لله تعالى ولأهلِ العِلْمِ، أساتذةً وطلبةً وباحثين، ممن يَرْغَبُهُ ويَحْتَاجُهُ، مَنْ أَرادَ معرفةَ التاريخِ الإسلامي وحضارتِهِ، لا سيما الأندلسي. مُؤَلِّفُهُ لا يَسْتَبْدِلُ به أموالَ الدنيا وأمجادَها المتنوعةَ ومتعلقاتِها مهما كَثُرَتْ.

* إنك لا تَحِسُّ، خلالَ قراءتِهِ ودراستِهِ، بالمُتْعَةِ وشَوْقِ المُتَابَعةِ فقط، بل وتَطَّلِعُ على أُسلوبٍ قويٍّ ناصعٍ عِلْمَاً وأَدَباً، يَرْقَى متابِعاً طريقَ ابنِ حَيَّان صاحبِ كتابِ”الــــمُـــقْـــتَـــبِـــس” شيخِ مؤرخي وأُدباءِ عَصْرِه  الأندلسي. يَعْتَبِرُهُ المُؤلِّفُ أحدَ شُيُوخِهِ مِنَ السَّلَفِ في هذا الباب. مثلما تَحِسُّ بجِدَّةِ الكتاب الذي بين يديك، أُسلوباً وفكرةً وتناولاً وعمقاً وعَرْضاً متناسِقاً وحضوراً متجاوباً. قيل في ذلك: مَنْ أرادَ معرفةَ التاريخِ الأندلسي فعليه به،  يُغْني عن موسوعات. مَنْ يَقْرَؤُه يَعْرِفُ حقيقتَه. إذا أُرِيدَتْ معرفةُ وفهمُ التاريخِ الأندلسي، ليس لك تَرْكُه، عليك أولُ ما تَدْرُسَه. يأخذ بيديك إلى أغوارِ حقائقِ الأحداثِ، لتعرفَها وتقرأها وتَطَّلع عليها عِياناً، تَشْهَدُها أمامَكَ بُرْهاناً. لا تَغُرُّك عندها ما يَجُرُّكَ إلى سَطحها مِنْ مَزالقَ تُخْفِي حقائقَ بنائِها وارتباطِها وتنوعِ ملتقياتِها ومآلاتِها وطبيعةِ متعلقاتِها، ذلك ما سَتَلْمَسُهُ بوضوحٍ تامٍ.

* كُلُّ ذلك يُوَاجَهُ صراحةً، عَرْضَ الحقائقِ وتقديمِها كاملةً، بكُلِّ أطرافِها وأطاريفِها (طُرَفِها)، بكاملِ ضَوْئِها وجَمَالِها وقيمتِها وقناعتِها. يُلْمَسُ في مواصفاتِها وجِدَّتِها، يَحْمِلُ مُختاراً على التركيز، تَدَعُكَ تَمْنَحُهُ مِنْ جِدِّيَتَكَ واهتمامِكَ وشَوْقِكَ وجُهْدِكَ، بفَهْمِهش واسْتنتاجِهِ واسْتِيعابِهش. تَشْعُرُ كأنه يُريكَ أسرارَه، يُقَدِّم المجهولَ مِنْ الأخبار. يَجُولُ بك في مَرَابِعه النَّضِرة، يأخُذُكَ في دُرُوبِهِ العَطِرَةِ، وإنْ تبعثرتْ أحياناً. يَجُرُّكَ فوقَ جُسُورٍ مَدَّها ومعابِرَ عَقَدَها ومِهادٍ عَبَّدَها.

* لا يَكادُ يُحَدِّثُكَ عن جُهْدِهِ وسُهْدِهِ في هذا البَذْلِ العلمي والتأني الماكِثِ والصبرِ المتفاني، لكنَّكَ تَحِسُّه وتَلْمَسُه، هَمْساً وحِسّاً ونَفَساً.

لا يعرفُ الشوقَ إلا مَنْ يكابِدُهُ

ولا الصبابةَ إلا مَنْ يُعَانِيها

* كُلُّ ذلك يَتَّضِح ويتقدمُ بوضوحٍ أكثر، كلّما مَنَحْتَه مِنْ جِدِّك وتأنِّيك. الكتابُ لا يَسْتَمِدُّكَ ذلك، لكنه يَحْمِلُكَ عليه، رغم مَشَقَّة إتعابك، كأنك تَصْعَدُ معه جبلاً تَشْتاق الاستمرارَ فيه أو تَرْتَقِي شَجَراً باسِقاً، تُمْسِكُه ويَحْمِلُكَ ويَشُدُّك، تَزِيدُك رَوعتُها وقُوتُها شوقاً للمضي في المُصَاحَبةِ والمُتَابَعةِ، حتى تُحِسَّ أنها تَخْرُجُ مِنْ خِلال الأنقاض أو مِنْ تَحْتِ الرُّكَام المتراكم تَنْشَقُّ. حتى لو مَلَلْتَها واسْتَثْقَلْتَ جاهداً تَعِباً، إذا بها تَتَشَقَّقُ عن نَكْهَةٍ جديدةٍ ونوعيةٍ واعية تُبَصِّرك. لا يَفْرِضُ عليكَ الحقائقَ، بل يَقُودُكَ إلى جَوِّها ومَنْجَمِها أو مَعْدَنِها، مهما بَدَتْ غريبةً، تَرَاك تستسلم لها، تتعاطفُ بقوةٍ وإقْبالٍ، كأنه يناديك مُشِيراً وداعياً، حيث تَنْعَطِف لمصافحته بحرارة وتتقدمُ لوُجْهَتِهِ، إثباتاً حقيقياً لوجوده وتقريراً قَوِيَّاً لنوعيته. تَهْوَى مُقامَها اللافِتَ وقِوامَها برشاقةٍ رقيقةٍ، تصلُ إليها وتحوزُها، بل وتكاد تَحْمِلُها، راوِيَاً تَسْعَى بها، تُصَفِّق لها فَرِحاً. مثلما لا يَحْرِمُك  جُهْدَكَ، تَحِسُّ في كُلِّ كلمةٍ، شَكْلاً وحقيقةً وشخصيةً، لا تَكْتَفِي بالقبضِ عليها، بل وُصُولاً إلى مؤلِّفها، تَشُدُّ على يَده وتَمُدُّ إلى قَلَمِه، تطلبُ منه المزيدَ، تَمْنَحُه مِنْ عَزْمِك إلى عزمه الأكيد، لهذا السِّفْر الجديد، كتاباً جامعياً في مجلدٍ واحدٍ معتمَدٍ. في المكان الواحد تُحِسُّ بِالبَهْجةِ والوَهْجَةِ، سلسلةً مِنْ ذلك، يَسِيرُ في أرضٍ متنوعةِ المرتفعاتِ والحُفَر والمُنْعَطَفات.

* الكتابُ حصيلةُ تَدْريسِ مادة التاريخ الأندلسي عقوداً مِنَ السنين، بمتابعةٍ جاهدةٍ مستمرةٍ ورغبةٍ أكيدةٍ حُرَّةٍ، تخصصاً وهِوَايةً ودِرَايةً، بَلَغَتْ حَدّاً بعيداً مِنَ التعلقِ، قد يصل إلى العِشْق. كُلُّ ذلك رغم صعوبةِ توفرِ التكاليفِ الماليةِ والمتاعبِ العلميةِ والوظيفيةِ والاضطهاداتِ الجامعيةِ والاجتماعيةِ. تَمَّتْ خِلالَهُ كتابتُهُ، نتيجةَ عُكُوفٍ وانصرافٍ شِبْهِ كاملٍ إليه،  بمعيةِ الليالي الساهرةِ والأحوالِ الدائرةِ والوجباتِ المتكاثرةِ. إنه جُهْدُ ستِ سنواتٍ، متواصلةً ليلَ نهارَ، والزوجةُ مشكورةً مأجورة، أعادتْ كتابتَه مِثْلَ ذلك عدداً. نَسْهَرُ معه اللياليَ الطِّوالَ، حتى ما أقومُ مِنَ الكتابِ إلّا لأني لا أستطيعُ الاستمرارَ، مِنْ كَثْرَةِ التعب، وما أكادُ أتبينهُ (بالعراقي: العين تُسورِب). كُلُّ ذلك مع رغبةٍ صابرةٍ حريصةٍ وتعلقٍ شديد.

* يمكن تصورُ مقدارَ التعلقِ والاهتمامِ والانشغالِ: كُنتُ أثناءَ كتابتِهِ وبعدَها، أكونُ نائماً أقومُ لأكتبَ فكرةً أو أدونَ نظرةً أو أُثَبِّت تعليقاً، قَبْلَ أنْ تَذْهَبَ مني إلى زاويةٍ النسيان، أو لعلي أَضَعُ عندَ النومِ إلى جانبي ورقةً وقَلَماً لُدَوِّن ما يَعِنُّ مِنْ ذلك، ولو دون ضياء.