سيرة ذاتية

الأستاذ الدكتور عبدالرحمن علي الحَجِّي (رحمه الله)

أستاذ السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والأندلسي وحضارته

وُلِدَ الدكتور عبد الرحمن الحَجِّي (رحمه الله) في مدينة المقدادية في محافظة ديالى بالعراق لعائلة بسيطة تعمل في الفلاحة، حالُها حال أغلب سكان تلك المدينة المشهورة ببساتينها ذات محاصيل الحمضيات المُتَمَيِّزَة. جَدُّه لأبيه (محمد) كان بمثابة فقيه المدينة وكان من أوائل من قام بالحج في تلك الأيام، ولُقِّبَ بعدها بالحَجِّي، وهكذا تَسَمَّت العائلة بهذا اللقب.

قضى عبدالرحمن الحَجِّي سنوات صباه في مساعدة أهله في رعاية البستان، لكن لم يمنعه ذلك من التَقَدُّم في المجال الأكاديمي، كان شغوفاً بالقراءة ومتميزاً في المدرسة بتحصيله العلمي المُتَقَدِّم. أنهى مراحل تعليمه الأَوَّلِي في العراق ثم حصل على الليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية من كلية دار العلوم في جامعة القاهرة عام 1959م. حصل بعدها على دبلوم عامة (عالي) في التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1960م. انتقل بعدها إلى الأرض التي عشقها وعشق تاريخ أسلافه فيها (الأندلس—أرض الآباء والأجداد، كما كان يُسَمِّيها رحمه الله). بدأ الدراسات العليا في الساميّات في العام الدراسي (1960-1961م) وذلك في جامعة مدريد (المُسَمَّاة جامعة مدريد كومبلوتنسي حالياً) وأنهى السنة الأولى منها بامتياز. ثم اضطر إلى ترك الدراسة في مدريد قبل انجاز البرنامج لاغتنام فرصة نادرة تهيأت له لبدء الدكتوراة في جامعة كيمبرج البريطانية العريقة. حصل على الدكتوراة في التاريخ الأندلسي من تلك الجامعة عام 1966م بأطروحة عنوانها: “العلاقات الدبلوماسیة الأندلسیة مع أوروبا الغربیة خلال المدة الأمویة”. طُبِعَت الأطروحة كتاباً بالإنجليزية ثم بالعربية لاحقاً. 

14-min
صورة غلاف النسخة الإنجليزية من الأطروحة
9-min
صورة غلاف النسخة العربية من الأطروحة
IMG_E0038
الدكتور الحَجِّي (رحمه الله) لدى تخرجه من جامعة كيمبرج

عاد من بريطانياً أستاذاً في قسم التاريخ بجامعة بغداد في العام الدراسي (1966-1967م)، ثم جامعة الرياض (الملك سعود حالياً) من 1967م حتى 1970م. عاد بعدها إلى جامعة بغداد من 1970م حتى 1973م لينتقل منها للعمل مع فريق من الأساتذة لتأسيس جامعة الإمارات عام 1977م، فعمل فيها أستاذاً ورئيساً لقسم التاريخ حتى عام 1985م. حصل على درجة الأستاذية خلال تلك الفترة من جامعة بغداد عام 1979م. التحق بعدها بجامعة الكويت حتى عام 1988م. عمل بعدها مُحَاضِراً وأستاذاً زائراً في العديد من الجامعات، مُتَخِّذاً من مدريد مقراً له حتى وفاته رحمه الله. 

صورة نادرة للدكتور عبدالرحمن الحَجِّي (رحمه الله) أثناء إقامته في السعودية، التُقطت هذه الصورة أثناء محاضرة قَدَّمَها في نادي الشباب الرياضي في الرياض عام 1968م

ترك الدكتور عبدالرحمن الحَجِّي (رحمه الله) إرثاً علمياً كبيراً. له العشرات من البحوث المنشورة وأكثر من ثلاثين كتاب، منها: التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة، والسيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها وشعر العلماء في الأندلس. جدير بالذكر أن الدكتور الحَجِّي (رحمه الله) يعتبر أول من حصل على الدكتوراة في التاريخ الأندلسي على مستوى العراق، وهذا سبب تسميته بـ “شيخ المؤرخين الأندلسيين”. تُوُفي في مدريد، إسبانيا يوم 18 يناير 2021 م، بعد حياة عامرة بالعطاء والعلم وخدمة التاريخ الإسلامي والأندلسي الذي شُغِّفَ به منذ نعومة أظفاره. رحمه الله تعالى رحمة واسعة ونفعه بما قَدَّم.

للدكتور الحَجّي (رحمه الله) ثلاثة أخوة وثلاث أخوات، هو أكبرهم. له من الأبناء خمسة: بِنْتَيْن وثلاثة بَنين. تزوج عام 1967م من السيدة منال عبداللطيف عبدالكريم (أم بلال)، وهي من مدينة المقدادية كذلك، وتجمع بينهما قربى غير مباشرة. كانت أم بلال رفيقه دربه لأكثر من نصف قرن، كتبت أكثر كتبه بيدها كلمة كلمة ومسودة بعد أخرى. تردى وضعها الصحي سريعاً بعد وفاة الدكتور الحَجِّي، وما هي إلا أشهر قليلة حتى لَحِقَت به (سبتمبر، 2021م). رحمهما الله تعالى وجمعنا بهما في مستقر رحمته.

لم يَكْتِب الدكتور الحَجِّي (رحمه الله) مذكراته كاملةً، بدأ بها مع تكرار طلب ذلك من بعض محبيه، لكنه لم يكن مرتاحاً في تلبية ذلك الطلب، وترك ذلك العمل قبل إنجازه. ووجدنا في ملاحظاته التي كتبها (رحمه الله) التبرير التالي لعدم رغبته في نشر مذكراته:

“ما كُنت أبحث عن الشهرة ولا أريدها، فقط أريد أن يعرف المسلم تاريخه من خلال ما أقدمه له”

ووفاءً لجهوده رحمه الله فإننا نسعى إن شاء الله لاستكمال ما كتب من مذكرات شخصية لتسليط الضوء على تجربة حياة مهمة وجديرة بالتقديم والتكريم. ونضع أدناه مقطعَين للراحل (رحمه الله) يقص فيهما جوانب من تجاربه أثناء الدراسة.