مجلة تراث - عدد 74
إستغاثة أندلسية حُرَّة
وهذه الحكاية من حكايات نفس الأمير الأندلسي الحَكَم، لكنها من نوعٍ تُمَثِّل موقفاً وحكاية اعتَبَرها الـمَقَرّي من بديع أخباره. ذلك أن امرأة أندلسية -لعلها كانت مدافِعةً مقاتِلة- ضمن الجند الذين واجهوا اعتداءآتهم، أي الأعداء في حملات إسبانيا النصرانية على الأندلس. أَسَرَها الأعداءُ وآذوها في منطقة وادي الحجارة (Guadalajara) 57 كيلاً (كم) شمال شرق مدريد اليوم. وكان القاضي الشاعر عباس بن ناصح الجَزيري قريباً من موقـع أسرها، فسمعها تستغيث وتقـول: وا غوثاه بك يا حَكَم لقد أهملتنا حتى كَلِبَ العدو علينا فأيّمَنا وأيتمنا، فسألها عن شانها فذكرت له قصة أسرها، فابلغ الشاعرُ الأميرَ بقصيدةِ استغاثة، كان منها:
تداركْ نساء العالمين بنصرةٍ فإنك أحرى أن تُغيثَ وتَنْصُرا
فما كان من الحَكَم إلا أن نادى بالجهاد والاستعداد وجَهَّز جيشاً قاده بنفسه، وسار الى المكان، وأنقذ المرأة المسلمة وجميع أسرى المسلمين في تلك البلاد، وقال لها: هل أغاثك الحَكَم، فقالت: نعم، ودعت له.
ولعل هذه الحكاية تقترن بأمثالها من مثل قصة المرأة المسلمة التي استغاثت بالخليفة العباسي المُعْتَصِم بالله، قائلةً مناديةً مستنجدةً: وامُعْتَصِماه -وهي كثيرة- فأنجدها بحملة عسكرية. وهذه وأمثالها وأكبر منها كثيرة في تاريخنا.
ويبدو أن هذا الأمير (الحكم الأندلسي) استقام أمره بعد حادثة الرَّبَض (الحكاية السابقة)، حيث ندم على ما ارتكب في حق العلماء والناس، وأَكَلَه الندمُ على ذلك، ولقد مات كَمَداً، وهو يطلب من الله سبحانه وتعالى الغفران.